درس الأعتبار بانقضاء الأعمار

شارك:


الاعتبار بانقضاء الأعمار 


الحمد لله ، الحمد لله ذي الطول والآلاء ، أحمده على ما أسال من وابل العطاء ، وأسبل من جميل الغطاء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حكم على خلقه بالموت والفناء ، والبعث إلى دار الجزاء ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم الرسل والأنبياء ، الشافع المشفع يوم الفصل والقضاء ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأتقياء ، وصحابته الأوفياء أما بعد :
فيا أيها المسلمون :
اتقوا الله فإن تقواه أفضل مكتسب ، وطاعته أعلى نسب ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [ آل عمران : ١٠٢ ].
أيها المسلمون :
المنايا لزمت البرايا ، فلا خلد في الدنيا يرتجى ، ولا بقاء فيها يؤمل، وما الناس إلا راحل وابن راحل ، وما الدهر إلا مر يوم وليلة ، وما الموت إلا نازل وقريب ، كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [ الرحمن : ٢٦، ٢٧ ]
كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون [ القصص : ٨٨ ]
كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [ آل عمران : ١٨٥ ].
ما أسرع الأيام في طينا ، تمضي علينا ثم تمضي بنا ، في كل يوم أمل قد نأى ، مرامه عن أجل قد دنا ، الأمل طويل ، والثواء قليل ، ورحى المنون تدور ، آجال إلى زوال ، وآمال إلى اضمحلال ، عام يبلي عاما ، وأيام تطوي أياما .
سبيل الخلق كلهم الفناء فما أحد يدوم له البقاء
يقربنا الصباح إلى المنايا ويدنينا إليهن المساء
ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون [ المنافقون : ١١ ]،
لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون [ يونس : ٤٩ ].
فطوبى لعبد أحسن الرحلة بأحسن ما يحضره من النقلة ، بين ابن آدم في الدنيا ينافس ، قد قرت عينه بماله وجاهه إذ دعاه الله بقدره ، ورماه بيوم حتفه ، فسلبه آثاره ودنياه ، وصير لقوم آخرين مصانعه ومغناه .
أين ما كان قبلنا أين أينا من أناس كانوا جمالا وزينا
إن دهرا أتى عليهم فأفنى عددا منهم سيأتي علينا
كم رأينا من ميت كان حيا ووشيكا يرى بنا ما رأينا
ما لنا نأمن المنايا كأنا لا نراهن يهتدين إلينا
يا من لعب ولها !
يا من غفل وسها !
يا من نظر في عاجله ونسي المنتهى !
أفق من خمرة الشهوات ، وبادر إلى التوبة قبل الفوات.
ولا يذهبن العمر منك سبهللا ولا تغبنن بالنعمتين بل اجهد فمن هجر اللذات نال المنى ومن أكب على اللذات عض على اليد
يقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه :
"
ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه عمري ولم يزد فيه عملي ".
وقال بعض السلف :
"
من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد أثله ، أو حمد حصله، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه ".
أيها المسلمون :
قصروا الأمل ، وأصلحوا العمل ، وحاذروا بغتة الأجل ، وليكن عامكم الجديد مشرقا بصدق التوبة وحسن الإنابة ، ورد الحقوق إلى أهلها ، والتحلل من أصحابها ، « كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون »،
و" التائب من الذنب كمن لا ذنب له ".
جعلني الله وإياكم ممن صدق وتاب ، ورجع وثاب ، وأقلع وأناب .
أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروه ، فقد فاز المستغفرون ، وسعد التوابون .




ليست هناك تعليقات

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.